سورة العنكبوت - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


لا يُفتنون: لا يمتحنون. الفتنة: الامتحان والاختبار. ساء ما يحكمون: قَبُح حكمهم. يرجو لقاء الله: يطمع بنيل ثوابه. أجَل الله: الوقت المضروب للقائه. جاهد: بذل جهده في حرب نفسه. جاهداك: حملاك على الشرك.
{الم} حروف صوتيه تقرأ هكذا ألف، لام، ميم، افتتحت بها السورة لبيان ان القرآن المعجز مؤلَّفٌ من هذه الحروف، ولتنبيه السامعين وتوجيه أنظارهم إلى الحق، وكل سورةٍ صدرت بهذه الأحرف تتضمن حديثا عن القرآن إما مباشرة، واما في ثنايا السورة، كقوله تعالى في الآية 45 من هذه السورة {اتل مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب....} والآية: 47 {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب....} والآية 51 {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب....}
{أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ}
ايظنّ الناس أنهم يُتركون بمجرد قولهم آمنا بالله دون ان يُختبروا بما تتبيَّن به حقيقةُ إيمانهم. لا بدَّ من امتحانهم بذلك.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين}
لقد اختبرنا الناسَ من الأمم السابقة بضروبٍ من البأساء والضراء فصبروا وتمسكوا بدِينهم، والله يعلم الذين صدقوا في ايمانهم، ويعلم الكاذبين.
روى البخاري وأبو داود والنسائي عن خَبَّاب بن الأرتّ قال: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقينا من الشمركين من شدةٍ فقلنا: الا تستنصرُ لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلِكم يؤخَذُ الرجل فيُحفَرُ له في الأرض فيُجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضعُ على رأسه فيُجعل نصفَين، ويمشَط بأمشاط الحديد لحمه وعظمه، فما يصدُّه ذلك عن دينه. والله ليتمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكبُ من صنعاء إلى حضرموتَ لا يخاف الا الله، والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون».
{أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ}
ام يظن المشركون والذين يرتكبون الأمورَ السيئة أننا لا نقدِر عليهم!! بئسَ هذا الحكم الذي يحكمونه بجهلهم وغرورهم.
{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ الله فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ وَهُوَ السميع العليم}
من كان يؤمن بالبعثِ، فوي لقاء الله- فان إيمانه حق، واليومُ الموعود الذي عيّنه الله آت لا محالة، وهو سميع لاقوال العباد، عليم بأفعالهم.
ثم بين الله تعالى أن التكليفَ بجهاد النفس وغيرها ليس لنقعٍ يعود اليه بل لفائدة الناس. {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنِ العالمين}.
ومن جاهدَ نفسه بالصبر على الطاعة، فإن ثواب جهاد لنفسه، والله سبحانه لا يحتاج إلى شيء من اعمالنا، كما قال: {مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} [فصّلت: 46] وقال: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ} [الإسراء: 7].
لقد ظن بعض المفسّرين ان هذه الآية مدينة لأن فيها {وَمَن جَاهَدَ} والصوابُ ان الآية مكّية والمراد هنا بالجهاد جهادُ النفس والصبر على الأذى.
{والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
والذين آمنوا إيماناً صادقا وعملوا الاعمالَ الصالحة سنمحو عنهم خطاياهم، ونجزيهم بأحسنَ مما عملوا، وأضعاف أضعافه.
{وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} تقدم في سورة الاسراء {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبالوالدين إِحْسَاناً....} الآية 23.
{وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ....}
على المرء أن يعامل والديه بالرِفق واللين ولو كانا مشركَين، فأما إذا اراد منه ان يشرك بالله، فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق.
{والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصالحين}
والذين آمنوا إيماناً صادقا مع العمل الطيب الخالص لله- يدخلُهم ربهم في زمرة من أنعمَ عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين {وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً} [النساء: 69].


فتنة الناس: أذاهم. ونحمل خطاياكم: لتكون ذنوبكم علينا. الأثقال: واحدها ثقل بكسر الثاء وسكون القاف: الحمل الثقيل، والمراد هنا الذنب والاثم.
الناي في الدين ثلاثة أقسام: مؤمن حسن الاعتقاد والعمل، وكافر مجاهر بالكفر والعناد، ومذبذب بينهما، يُظهر الايمانَ لبسانه، ويبطن الكفر في قلبه، وقد بيّن الله تعالى القسمين الاولين بقوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين} وهنا يبين القسم الثالث بقوله تعالى: {وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ}.
ومن الناس من يقول بلسانه آمنتُ بالله ويدعي الإيمانَ ظاهرا، فإذا أُصيب بأذىً بسبب ايمانه جزعَ وسوّى بين الناس وعذابِ الله في الآخرة، واعتقدَ ان هذا من نقمةِ الله تعالى، فيرتدّ عن الاسلام. وهذا كقوله تعالى: {وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب على وَجْهِهِ} [الحج: 11].
{وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ}
لئن فتحَ الله على المؤمنين وجاءهم بعضُ الخيرات يقول المنافقون إنا كنّا معكم فأشركونا فيها معكم.
وقد توعّدهم الله وذكر انه عليمٌ بما في صدورهم، لا يخفى عليه شيء من أمرِهم فقال: {أَوَ لَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ العالمين}.
ثم بين ان هذه الفتنة إنما هي اختبارٌ من الله ليظهر المؤمنَ الصادقَ من المنافق: {وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين} فيجازي الفريقين كلا بما يستحقه.
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ اتبعوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
كان زعماء قريش من المشركين يقولون للذين دخلوا في الاسلام: ارجِعوا إلى ديننا واتّبعوا ما نحن عليه، واذا كان هناك بعثٌ وحساب تخشونه فنحن نحمل عنكم ذنوبكم. فردّ الله عليهم قولهم بأنهم لا يحملون ذنوبهم يوم القيامة، ولن تحمل نفسٌ وِزرَ نفسٍ أخرى، وان الكافرين لكاذبون في وعدهم.
وبعد أن بين عدم منفعة كلامهم لمخاطِبيهم، بيّن ما يستتبعه ذلك القول من المضرة لأنفسهم فقال: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القيامة عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}.
سوف يحمل أَولئك الكفار أوزارَ أنفسِهم الثقيلة، ويحملون معها مثل اوزارِ من أضلّوهم وصرفوهم: عن الحق، وسيحاسَبون يوم القيامة على ما كانوا يختلقون في الدنيا من الأكاذيب.
وفي الصحيح: ما دعا إلى هدىً كان له من الأجرِ مثلُ أجور من اتبعه إلى يوم القيامة، من غير ان ينقص من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالٍ كان عليه من الإثمِ مثلُ آثام من اتبعه إلى يوم القيامة من غيرِ ان ينقص من آثامهم شيئا.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطوفان وَهُمْ ظَالِمُونَ فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السفينة وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ}
لا يحزنك أيها الرسول ما تلقى من أذى المشركين أنت واصحابُك، فإن مصيرهم إلى البوار، ومصيرك وأصحابك إلى العلوّ والنصر.
ان نوحاً مكث في قومه تسعمائةٍ وخمسين سنة يدعوهم وهم لا يستجيبون له، فأغرقهم الله بالطوفان وهم ظالمون لأنفسِهم، وأنجاه ومن معه من المؤمنين في السفينة، وجعل قضيّتهم عبرةً للعالمين.
وقد تقدّم ذكر نوح في آل عمران والنساء والأنعام والأعراف والتوبة ويونس وهود وابراهيم والإسراء ومريم والانبياء والحج والمؤمنون والفرقان والشعراء والعنكبوت. هذا وسيأتي في عدد من السور.
وقوله تعالى: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} لم يقل الف سنة الا خمسين سنة، حتى لا يكرر كلمة سنة فلا يكون الكلام بليغا، والعرب تعبر عن الخِصب بالعام، وعن الجَدْب بالسنة، ونوح لما استراح بقي في زمن حسن.


تخلقون افكا: تختلقون كذبا. فابتغوا: فاطلبوا.
مرت قصةُ إبراهيم في عدد من السورة وستأتي ايضا، وفي إيراد هذا القصص تثبيتٌ للنبي عليه الصلاة والسلام وان النتيجة هي النصرُ له باذن الله.
أذكُر أيها الرسول قصة ابراهيم حين دعا قومه إلى توحيد الله، ثم أرشدهم إلى فضلِ ما يدعوهم اليه وفسادِ ما هم عليه، بعبادتهم الأصنامَ التي يصنعونها بأيديهم، وقال لهم إن هذه الأوثان التي تعبدونها من دون الله لا تنفع ولا تضر، ولا تعطيكم رزقاً، فاطلبوا الرزق من الله وحده، واعبدوه واشكروه، فإليه مصيركم أجمعن.
وان تستمروا على الكذب، فقد كذّبت الأمم السابقةُ رسلَها، وما ضر ذلك الرسلَ شيئا، وليس على الرسول الا تبليغ الرسالة بأمانة ووضوح.

1 | 2 | 3 | 4